نافذة على التاريخ | بربروسا



بربروسا

و قع كثير من المؤرخين والكتاب في الخطأ حول من هو أعظم بحار في التاريخ، البعض يعتبر كريستوفر كولومبوس البحار الأعظم
وبعضهم يقول أن فاسكو دي جاما هو الأعظم وفيما يرجح البعض فيرديناندو ماجلان، لكن في الحقيقة أن أعظم بحار في التاريخ هو صاحب اللحية الحمراء بربروسا.

بربروسا هو خير الدين خضر بن يعقوب بن يوسف، سمي بربروسا (أي ذو اللحية الحمراء) للون لحيته الحمراء. يقول بربروسا : بدأت إملاء مذكراتي بأمر من السلطان سليمان القانوني. في أثناء اتصالي بالسلطان سليمان بن سليم، ورد عليّ فرمان سلطاني، هذا نصه: كيف خرجت أنت و أخوك أروج من جزيرة ميديللي و فتحتم الجزائر؟. ما الغزوات التي قمتم بها في البر والبحر حتى الآن؟، دوّن كل هذه الحوادث بدون زيادة أو نقصان في كتاب، وعندما تنتهي أرسل إليّ نسخة لأحتفظ بها في خزانتي.

 يقول بربروسا: عندما استلمت هذا الأمر، استدعيت أحد أرباب القلم زميلي في الكثير من غزوات البحر يدعى المرادي وأخبرته بفرمان السلطان. فبدأنا على الفور في التدوين أنا أملي، والمرادي يكتب عندما فتح السلطان محمد الفاتح جزيرة ميديللي الواقعة على طريق بوغاز الدردنيل (إحدى جزر الأرخبيل)، أمر الأتراك بالاستيطان في الجزيرة فكان أبي أحد المستوطنين الأوائل، كما كان ابنا لأحد فرسان السباهية، كما كان هو نفسه سباهيا أيضا أو إنكشاري وهي فرقة عسكرية من المشاة العثمانيين شكلوا تنظيماً خاصاً لهم ثكناتهم العسكرية وشاراتهم ورتبهم وامتيازاتهم، وكانوا أقوى فرق الجيش العثماني بل أكثرها نفوذاً.

وكانت له في منطقة فاردار المجاورة لسلانيك أرض إقطاع وهبت له بأمر من السلطان محمد الفاتح، عندما استقر بالجزيرة، فعندما انتظمت أمور والدي من جديد، تزوج إحدى بنات أهالي الجزيرة و اسمها كاتالينا. كان أبي أنيقا شجاعا. أنجبت له أمي أربعة أبناء هم : إسحاق ثم أروج رحمه الله ثم أنا خضر، ثم إلياس. مدّ الله في عمر الباقين ورزقهم النصر. 

كان لأمي الأثر عليّ وعلى أخي أروج بتوجهنا للجهاد في سبيل الله ضد الصليبيين الأسبان والبرتغاليين، اتجهت أنا و أخي أروج إلى الجهاد البحري منذ الصغر بتشجيع من والدتنا رحمها الله، خاصة بعد السيطرة الأسبانية و البرتغالية على البحر المتوسط و احتلالهما لعدة موانئ في شمال أفريقيا.

فقد استطعنا أنا و أخي أروج من تكوين مجموعة قتالية قوامها عدة سفن صغيرة لبحارة مسلمين و استطعنا بهذه المجموعة تحقيق عدة انتصارات رائعة على القراصنة الصليبيين الذين كانوا يعيثون في المنطقة الفساد ويستولون على سفن المسلمين ويأخذوهم كأسرى وعبيد. أثارت هذه الانتصارات إعجاب القيادات المسلمة الضعيفة في الشمال الأفريقي، فأعطانا السلطان حفص التونسي حق الإقامة في جزيرة جوبة التونسية فزادت شعبيتنا،فاستنجد الشعب بنا عدة مرات للتصدي لهجمات الاسبان فاستطعنا تحرير بجانة في 918 هـ من الاحتلال الاسباني لتكون محطة عمليات لإنقاذ مسلمي الأندلس. 

في عام 920هـ و بعد تحرير ميناء جيجل، تحالفنا مع الخلافة العثمانية لأهميتها في مواجة قوى منظمة تكبر يوما بعد يوم و نحن بحاجة للأسلحة الحديثة وسفن قوية. و قد شعر العثمانيون بأهمية الجهاد البحري ضد الصليبيين الأسبان والبرتغاليين لتهديدهما المباشر للمسلمين في الخليج العربي والهند بعد احتلال البرتغاليين لمدينة عدن ومدن أخرى في جنوب الجزيرة العربية بنية التوجه للأماكن المقدسة ونبش قبر النبي صلى الله عليه و سلم.

بعد فتح ميناء جيجل حوصرنا من كل جانب، غربا من قبل حاكم الجزائر العميل سالم التومي وشرقا وجنوبا من قبل الحفصيين عملاء الأسبان وشمالا من قبل الأسطول الأسباني وفرسان القديس يوحنا، فأرسنا برسالة إلى السلطان سليم الأول نشرح فيها الموقف وخطورته، فأرسل إلينا 14 سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود حيث كان لهذا المدد أثره الكبير في انتصارنا على حاكم الجزائر التومي وقتله.

و كانت مدينة تلمسان ذات موقع استراتيجي مؤثر على مقاليد الحكم بالجزائر وكان الأسبان محتلين للبلد و يعملون على إثارة القلاقل علينا بالجزائر، فقررنا تحرير المدينة وإعداد جيش كبير سنة 923هـ للمهمة وبعد أن نجحنا بالفعل في السيطرة على تلمسان تمكن الأسبان بالتعاون مع بني حمود الخونة أن يستعيدوا المدينة مرة أخرى، و أثناء الحصار استشهد أخي أروج وكثير من جنودنا.

هذه الحادثة تركت أثراً بالغا عليّ فقررت شن حربًا ضروسًا ضد الصليبين أينما كانوا خاصة الأسبان منهم، شعر أهل الجزائر بشدة الموقف وخطورته في ظل كثرة التهديدات الخارجية وضعف السلطة المحلية وارتماء الكثير منهم في أحضان الصليبيين فصاروا لهم عبيدًا ولدينهم وأمتهم خونة ومارقين، فاجتمع زعماء البلد وقرروا إرسال رسالة هامة للسلطان سليمان الأول الذي خلف أباه السلطان سليم الأول يطلبون فيها إخضاع الجزائر لسيادة الخلافة العثمانية. وحاولت أن أذهب بنفسي للقاء السلطان ولكن أهل البلد توسلوا إليّ ألا أغادر البلد خوفًا من هجوم الصليبيين فنزلت عند رغبتهم وأناب بالرسالة الفقيه أبا العباس أحمد بن قاض وكان من أكبر علماء الجزائر، فاستجاب السلطان لتلك المطالب وعينني قائدًا على البلد وأرسل فرقًا من الانكشارية وأذن لمن شاء من رعاياه المتطوعين للجهاد بالذهاب للجزائر مع منحهم نفس امتيازات الجند النظاميين.

كان أمامي الكثير من الأعمال التي يجب أن يقوم بها وكان عليّ أن أحارب على جبهتين الجبهة الأسبانية الصليبية المتمركزة في عدة جيوب بالجزائر كعنابة وقالة وحصن بنيون والجبهة الداخلية العميلة الخائنة ممثلة في مؤامرات أمراء بني زياد والحفصيين وغيرهم من القبائل الصغيرة التي تقوم على مدد صليبي وعون خارجي وتعمل على الحيلولة من توحيد الصف في المغرب العربي. و قد استطعنا بفضل الله أن نقضي على تلك الجيوب و يطهر البلد من الصليبيين في 936 هـ.


كان ملك الحفصيين الممتد منذ أيام الموحدين قد ترهل وكثرت النزاعات والخلافات الداخلية بينهم حتى جاءني الأمير رشيد الحفصي يطلب المساعدة ضد أخيه السلطان الحسن بن محمد الحفصي فوجدتها فرصة مواتية للقضاء على ملك الاسرة الحفصية فأرسلت للسلطان سليمان أعرض عليه فكرة ضم تونس لسيادة الخلافة العثمانية فوافق وأرسل إلي الأسطول العثماني كله ففر سلطان تونس الخائن الحسن الحفصي إلى أسبانيا و عمل على جعل الامبراطور شارلكان يحتل تونس مرة أخرى ليعيده سلطانا عميلا له عليها وعلى رقاب العباد، يخون دينه وأمته وأرضه وعرضه في سبيل ملك زائل ودنيا فانية وسلطان خادع، فتعهد الحسن الحفصي لشارلكان حال مساعدته في احتلال تونس أن يسلمه عدة مدن كبيرة منها المهدية وبونة وأن يكون مساعدًا حليفا لفرسان القديس يوحنا أعدى أعداء المسلمين وأن يناصب العثمانيين العداء وحربهم في الجزائر والمغرب وأن يتحمل نفقات إقامة ألفي جندي حامية أسباني .

حشد شارلكان أسطولا جرارا قاده بنفسه ولم أتمكن من رد عاديته فاحتل تونس في 942 هـ، فرجعت إلى الجزائر وكنت أنوي رد الصفعة لشارلكان بصفعة أشد منها وجيعة، فقمت بالهجوم على جزر البليار الأسبانية والبرتغالية وكانت محملة بالذهب والفضة والعبيد وأخذت الكثير من النصارى عبيدا وسبايا. اهتزت لتلك الضربة أوروبا وشعر شارلكان أن  قوتنا مازات قائمة و نظرا لتلك الانتصارات الرائعة قرر السلطان سليمان القانوني تعييني وزيرا للبحرية العثمانية في كل البلاد واستدعاني لإسطانبول لتلك المهمة ونقل نشاطي للجبة الشرقية من البحر المتوسط.

 أصبحت شبحا و رعبا يشغل عقول الصليبيين في أوروبا وأسبانيا لفترة طويلة واستوليت على تفكيرهم حتى إذا تحركت ريح او سمع صوت قالوا خير الدين بربروسا قادم ويعلوا صراخهم وعويلهم ويفر السكان من ديارهم ومتاجرهم ومزارعهم، حتى إذا حطمت العواصف سفنهم نسبوا ذلك إليّ و بلغ الخوف مداه حتى ما إذا وقعت سرقة أو تخريب أو حتى مرض ووباء نسبوا ذلك لي و لجندي.

عينني السلطان العثماني سليمان القانوني قائدا عاما على الاسطول العثماني و جعل العمل الموكل إليّ هو القضاء على نفوذ أسبانيا وشارلكان ودخل السلطان سليمان في حلف مع فرنسا عدوة أسبانيا اللدودة وجعلت مارسيليا قاعدة للعمليات وصرت قائدا عاما للقوات المشتركة بين العثمانيين والفرنسيين وقمت بتوجيه ضربات موجعة للوجود الأسباني بالمنطقة خاصة في حصار القوات المشتركة لميناء نيس الفرنسي المحتل من قبل أسبانيا، وآل النصر للقوات المشتركة وطردنا الأسبان وأسرنا الكثير منهم  بعناهم رقيقا وتداولتهم أيدي الناس حتى صاروا بأبخس الأثمان لكثرتهم.


كان خير الدين بربروسا مجاهدا في سبيل الله في البحر المتوسط وأطفأ شوكة شارلكان والأسبان وقاد حروبا ضد الصليبيين حتى صار كابوسا يؤرق مضاجع أعداء الإسلام. وحفظ التاريخ مواقف عديدة له منها أنه عندما حاصر شارلكان الجزائر بعد استشهاد أخوه أروج قام بكل حزم وقوة قائلا قول الله تعالى : {إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ثم قال: إن المسلمين في المشرق والمغرب يدعون الله بالتوفيق لأن انتصاركم انتصار لهم وإن سحقكم لهؤلاء الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الإسلام.  و ظل خير الدين بربروسا مجاهدًا حتى آخر لحظة في حياته حتى أتاه اليقين وتوفاه الله على فراشه رغم أنفه في اسطنبول سنة 953هـ، رغم أنه ظل طوال حياته مجاهدًا في سبيل الله. فلا نامت أعين الجبناء. رحم الله المجاهد العظيم خير الدين بربروسا.


***حاول المستشرقين والمؤرخين الصليبيون الطعن في المجاهدين بربروسا وأروج ووصفوهما بأنهما قراصنة ولصوص بحر
ومن المحزن أن كثيرا من المراجع الاسلامية وقعت في الخطأ وسارت على نهج الأعداء ووصفتهما بالقراصنة.









نافذة على التاريخ | بربروسا نافذة على التاريخ | بربروسا Reviewed by Alez on January 11, 2014 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.