الخراساني والياقوتة الحمراء



الخراساني والياقوتة الحمراء



يحكى أنه في زمن من الأزمان كان في بغداد تاجر يبيع الأقمشة والجواهر والعطور والبضائع التي لا تتوفر إلا في خراسان، يوردها له تاجر خراساني يمر على بغداد قبل بداية موسم الحج كل عام وكانت بضاعته لا توجد عند غيره من التجار وهذه ميزة امتاز بها عن أقرانه التجار.



   

تقلبات الأيام

وفي سنة من السنوات لم يأتي هذا التاجر الخرساني وسأل عنه البغدادي وانتظره كثيرا دون جدوى، المشكلة أنه كان يعتمد اعتمادا كليا على بضاعة هذا التاجر الخرساني.
بعد هذا انقلبت حياة البغدادي حتى وصل به الحال الى أن يغلق دكانه ويجلس في البيت بعد تراكم الديون بل واخذ يختفي من دائنيه وبقي على هذا الوضع أربع سنوات وكانت كلما تقبل قافلة الحجيج من خراسان يذهب إليهم ويسألهم واحدا واحدا عن صاحبه الخراساني لكن لم يجد عندهم جوابا، وكان يوما حارا فذهب إلى دجلة فاغتسل وسبح فيه فلما خرج علق في قدمه شيء فسحبه شيئا فشيئا حتى استخرجه فوجده سير جلد مما يربط على خصر الإنسان فوجد بداخله ألف دينار ففرح فرحا شديدا بهذا الرزق الذي جاءه من غير حساب فذهب  إلى دائنيه فاعطى كل واحد منهم ماله.


عودة المفقود


يقول البغدادي فرجعت إلى دكاني وفتحته واشتريت بضاعة حتى نمت تجارتي ووسع الله علي ومضت سبع سنوات على اختفاء التاجر الخرساني.
وفي يوم من الأيام أتاه رجل أشعث أغبر حالته يرثى لها من الفقر والذل فأخذ شيئا من الدراهم وأعطاها الرجل المسكين والمسكين يقلب أنظاره بين الدراهم والبغدادي ثم تركه ومضى، أصاب التاجر البغدادي الفضول من تصرف هذا المسكين، فقرر أن يتبعه ويتخفى إلى أن استوقفه المسكين، فقال له البغدادي: من أنت!، فاتجه المسكين نحوه وضمه بقوة وهو يبكي بكاء شديدا، تعجب البغدادي، فقال له المسكين: أما عرفتني!!! أنا صاحبك الخراساني، كنت آتيك ببضاعة من خراسان وكنت تبيعها وتكسب منها، هل عرفتني الآن! لقد مضت سبع سنوات وتغيرت حالي كما ترى، فضمه البغدادي وأخذه مع إلى داره وضيفه فيها عدة أيام وأحسن من حاله.




سبع سنوات عجاف

  ثم سأله عن حاله في السبع سنوات، وأنه كأن يسأل عنه ولم يجد خبرا عنه، قال الخراساني: سوف أقص عليك قصتي العجيبة. في السنة الأولى التي فقدتني فيها كنت عازما على الحج مثل كل عام، استدعاني أمير بلدتي قبل السفر فأعطاني ياقوتة حمراء ووصفها بأنها لا قيمة لها وطلب مني بيعها في بغداد وأنها ستجلب مالا عظيما فاشتري لي بأموالها شيئا من الأقمشة والبضائع التي لا يوجد مثلها في خراسان، فأخفيتها في سير جلد لي وكان به ألف دينار، عندما وصلت إلى بغداد تركت متاعي عند شاطئ دجلة ثم اغتسلت فلما انتهيت كانت الشمس قد غابت فأخذت أمتعتي ولبست ثيابي فلما وصلت إلى الدار التي استأجرتها فتشت عن السير فلم أجده، فعدت إلى الشاطئ أبحث عنه لم أجده وكأن الأرض قد ابتلعته، فقلت في نفسي عن الألف دينار لعلها وقعت في يد محتاج وأنا رجل أغناني الله من فضله أماياقوتة لأمير فهو وصفها بأنها  لاقيمة لها، لذلك سوف أقدر ثمنها بثلاثة آلاف دينار فاشتريت للأمير ما طلبه بألفي دينار وبقي ألف دينار فأعطيتها للأمير حين رجعت، فغضب الأمير وقال لي: كم قدرت ثمن الياقوتة، فأخبره أن الياقوتة قد ضاعت وأنه قدر ثمنها بثلاثة آلاف دينار، فلطمه الأمير وضربه وقال له يا مغفل هذه الياقوتة تساوي خمسين ألف دينار، فضربه وأخذ ماله ودوره وأملاكه ولم يكتفي بهذا بل سجنه وعذبه في السجن عذابا شديدا واستشهد الناس بأنه قد اشترى كل ممتلكات هذا التاجر الخراساني وأخذ من الإقرار تحت التعذيب.



الفرج بعد الشدة

وفي السنة السابعة جاء أحد المصلحين إلى الأمير يستشفع لأجل إخراج التاجر الخراساني من السجن وقال له: ماذا تستفيد من سجنه وتعذيبه ألم تأخذ دوره وممتلكاته عوضا عن الياقوتة! فارحم هذا المسكين وأخرجه من السجن، فقبل الأمير وأخرجني من السجن.
فلم أستطع البقاء في بلاد خراسان لما وقع علي من إذلال وهوان بين الناس، لذلك قررت أن أهاجر إلى بغداد وها أنا ذا بين يديك أتيتك من بلادي ماشيا على قدماي لا أملك حتى ثمن دابة تحملني في سفري..أتوسل إليك أن تبحث لي عن عمل حتى لو أردتني حمالا عندك أو حتى عاملا أو خادما عندك أعتني بدوابك وبغالك، فاعطف علي وتذكر ما كان بيننا من صحبة وتعاملات تجارية.


وما إن انتهى الخراساني حتى قال له البغدادي أن له خبرا سيجعله يشهق من الفرحة، قال البغدادي: إن السير الذي تبحث عنه وبسببه حصلت لك كل هذه المعاناة..موجود عندي. قال الخراساني: لا لا أنت تمزح...كيف!. قال البغدادي: نعم موجود عندي وقد طرحته في إحدى غرف داري، فذهب ليبحث عنه فما وجده، فألح عليه الخراساني بأن يبحث عنه مجددا، فبحث وأطال عليه فلم يجده، فإذا بزوجة البغدادي تنادي زوجها ليعطي أحد المحتاجين صندوقا به بعض الأشياء وأوعية من المنزل لا حاجة لهم بها، فبحث بداخل الصندوق فوجد سير الجلد فأعطاه لصاحبه الخرساني الذي ما إن رآه حتى كاد يموت من شدة الفرح، فطلب سكينا بإلحاح، فشق السير من مكان قد أحكم إخفائه فاستخرج  الياقوتة الحمراء، يقول البغدادي: لم أستطع النظر إليها من شدة بريقها، فقام الخراساني وودع صاحبه البغدادي وقال سوف أعيدها لصاحبها، قال البغدادي: خذ الياقوتة لك ودعك من صاحبها، قال الخراساني: لا لابد أن أعود لكي يعلم الأمير بأني صادق ولأخبره بهذه القصة العجيبة التي حصلت بيننا، فاستأجر دابة حتى وصل إلى خراسان وأعطى الأمير الياقوتة فتعجب الأمير من أمانة التاجر الخرساني، فدعا له بالبركة وأرضاه وقام بتعويضه عن الضرر الذي ألحقه به بأموال كثيرة، فعادت للخراساني تجارته ثم عاد يحج كل عام ويمر ببغداد في طريقه كما كان في السابق.






*مقتبس من (وكانت المفاجئة) د. سعد العريفي

الخراساني والياقوتة الحمراء الخراساني والياقوتة الحمراء Reviewed by Alez on August 14, 2019 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.