نافذة على التاريخ: الإمام الثوري





شيخ الإسلام الإمام الحافظ

الإمام سفيان الثوري


الإمام سفيان الثوري هو أبو عبدالله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الربابي التميمي، ولد عام 97 هـ في الكوفة، إمام من أئمة الإسلام وأحد أشهر أئمة التابعين والسلف الصالح.

انطلق الإمام سفيان الثوري طالبا للعلم منذ نعومة أظافره وبدا أمره إلى رفعة وشهرة حتى لقب بأمير المؤمنين في الحديث لاحقًا، كان أحفظ أهل زمانه، تتلمذ الإمام سفيان الثوري على يد ما يقارب الستمائة شيخ حدثوه عن الصحابة أبي هريرة وجرير بن عبدالله وابن عباس رضي الله عنهم وغيرهم كالإمام جعفر الصادق رضي الله عنه وإبراهيم بن عبدالأعلى وإبراهيم بن عقبة والأسود بن قيس وحبيب بن أبي ثابت وحماد بن أبي سليمان وسليمان التيمي وقرأ الختمة عرضا على صاحب القراءة حمزة بن حبيب الزيات عدة مرات، أما الذين أخذوا الرواية عنه فـالأعمش وأبو حنيفة النعمان والأوزاعي وابن علية وعبدالله بن المبارك وعلي بن حفص والفضيل بن عياض.

جمع الإمام سفيان الثوري بين العلم والعمل والورع والزهد والعبادة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجافاة الأمراء وذوي السلطان، والفرار من المناصب والتحرز من الشبهات، رغم ذلك تعرض لمحن كبيرة، لمعاصرته عهدين مختلفين وشهوده لقيام دولة وانهيار أخرى وما نتج عنها من أهوال وملاحم، فهو من مواليد عهد سليمان بن عبدالملك خليفة الدولة الأموية المجاهدة عام 97 هـ، وطاف في أرجاء الدولة طالبا للعلم ولما بلغ سن الكهولة وقع الأمر الجلل بإعلان قيام دولة العباسيين بعد المجازر مروعة ومعارك طاحنة سفكت فيها الدماء فكانت فتنة عظيمة.

وكان إعلان قيام الدولة العباسية في الكوفة أمام مسمع ومرأى من الإمام سفيان الثوري الذي كان وقتها من علماء الكوفة وشيوخها، وكان لا يرى الخروج على الحاكم ولو جار من باب درء الفتن دون ترك الإنكار عليهم والصدع بالحق مهما كلف الأمر. فتعرض للابتلاء والمحن عندما طلبه الخلفاء العباسيين الواحد تلو الآخر ليتسلم القضاء، الأمر الذي كان يرفضه الإمام سفيان الثوري مرارًا وتكرارًا بسبب أنه لا يصبر على رؤية منكر، يقول الإمام سفيان الثوري: "إذا رأيت منكرا ولم أتكلم تبولت دما من شدة الكمد". لذلك قرر الفرار على أن يسكت على منكر وباطل.

قضى الإمام سفيان الثوري شطرا من حياته طريدا شريدا بعد ما زاد في طلبه أبو جعفر المنصور بعد أن قتل الإمام أبي حنيفة النعمان في سجونه متأثرا بالضرب والتعذيب لرفضه تولي القضاء، فسأل أبو جعفر عن من هو أعلم أهل الأرض بعد أبي حنيفة، فوصفوا له الإمام سفيان الثوري فأرسل في طلبه مرة بعد مرة والإمام يرفض، فاشتد أبو جعفر في طلبه حتى اضطر الإمام إلى الخروج من الكوفة راحلا إلى مكة، فأرسل أبو جعفر في الأقاليم: "من جاء بـالإمام سفيان الثوري فله عشرة آلاف درهم"، فخرج من مكة إلى البصرة، وعمل متخفيا في حراسة أحد البساتين، لم يلبث كثيرا حتى عرفه الناس وهموا به، فخرج إلى اليمن.

في اليمن تعرض الإمام سفيان الثوري لابتلاء أشد، فقد اتهم بالسرقة، فرفع إلى الوالي معن بن زائدة المشهور بالدهاء والمروءة وكرم الأخلاق، فقال معن: ما اسمك؟
قال الإمام سفيان الثوري: عبدالله بن عبدالرحمن.
قال معن: نشدتك الله لما انتسبت؟
قال الإمام سفيان الثوري: أنا سفيان بن سعيد  بن مسروق.
قال معن: الثوري؟
قال الإمام سفيان الثوري: الثوري.
قال معن: أنت بغية أمير المؤمنين؟
قال الإمام سفيان الثوري: نعم.
فأطرق معن ساعة ثم قال: ما شئت فأقم ومتى شئت فارحل، فوالله لو كنت تحت قدمي ما رفعتها.

أخذ الإمام سفيان الثوري بالتنقل في أرجاء الدولة الإسلامية تارة بالعراق وأخرى بالحجاز واليمن، وفي العام الذي قرر الذهاب فيه إلى مكة حاجا وعائدا، كان أبو جعفر عازما على الحج أيضا سنة 158 هـ، وقد وصلته أخبار بوجود الإمام سفيان الثوري في مكة، فأرسل إلى والي مكة بالقبض على الإمام وصلبه في مكة، وبالفعل نصبوا الخشب وأخذوا في البحث عنه، فلما علم الإمام سفيان الثوري تعلق بأستار الكعبة وأقسم على الله تعالى ألا يدخل أبو جعفر مكة وبالغ في الدعاء والقسم، حتى وصلت الأخبار ووقوع كرامة للإمام بمرض أبو جعفر وموته قبل دخول مكة.

ظن الإمام سفيان الثوري أن محنته قد انتهت بموت أبو جعفر فعاد إلى الكوفة، وبرز للناس وأخذ في التحديث والتدريس، لكن فوجئ باستدعاء الخليفة الجديد المهدي له، فدار حوار بينهما:
قال المهدي: يا أبا عبد الله هذا خاتمي، فاعمل في هذه الأمة بالكتاب والسنة.
قالالإمام سفيان الثوري: تأذن لي في الكلام يا أمير المؤمنين، على أني آمن.
قال المهدي: نعم.
قال الإمام سفيان الثوري: لا تبعث إليَّ حتى آتيك، ولا تعطني حتى أسألك.
فغضب المهدي وهم أن يقع به، فقال له كاتبه: أليس قد آمنته؟
قال المهدي: نعم. ولكن اكتب إليه العهد بالقضاء، فكتبه وأعطاه للثوري رغمًا عنه.

خرج الإمام سفيان الثوري من عند المهدي ومعه عهد القضاء فرماه في نهر دجلة متجاهلا نهي أصحابه عن ذلك، بعدها فر إلى البصرة واستخفى عند المحدث يحيى بن سعيد القطان، حتى انكشف أمره فخرج إلى الكوفة واختبأ عند عبدالرحمن بن مهدي، عندها اشتد المهدي في طلبه ووضع جائزة قدرها مائة ألف درهم لمن يأتيه بالإمام خاصة بعد علمه بما فعله بعهد القضاء.


ظل الإمام سفيان الثوري يفر من جنود المهدي من بلد لآخر، وقضى العامين الأخيرين من حياته شريدا طريدا خائفا، حتى جاءه الفرج من عند الله لينهي معاناة السنين قبل أن ينال منه من شرده وآذه، فكتب الإمام سفيان الثوري إلى المهدي يقول فيه: "لقد طردتني وشردتني وخوفتني، والله بيني وبينك، وأرجو أن يخير الله لي قبل مرجوع الكتاب". فرجع الكتاب وقد مات الإمام وانتهت محنته رحمه الله عام 161 هـ. رحم الله الإمام سفيان الثوري.



من أقوال الإمام سفيان الثوري رحمه الله:


  • ما أعلم شيئا أفضل من طلب العلم بنية.
  • ليس الزهد بأكل الغليظ ولبس الخشن ولكنه قصر الأمل وارتقاب الموت.
  • لو هم رجل أن يكذب في الحديث وهو في جوف بيته لأظهر الله عليه.
  • البدعة أحب إلى إبليس من المعصية المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منه.
  • طلبت العلم ولم يكن لي نية ثم رزقني الله النية.
  • استوصوا بأهل السنة خيرا فانهم غرباء.
  • الإسناد سلاح المؤمن فمن لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل.
  • الملائكة حراس السماء وأصحاب الحديث حراس الأرض.
  • المال داء هذه الأمة والعالم طبيب هذه الأمة فاذا جر العالم الداء إلى نفسه فمتى يبرئ الناس.
  • إذا بلغك عن رجل بالمشرق صاحب سنة، وآخر بالمغرب، فابعث إليهما بالسلام وادْعُ لهما، ما أقلَّ أهلَ السنة والجماعة!.
  • إنما العلم عندنا الرُّخْصة مِن ثقة، فأما التشديد فيُحسنه كلُّ أحد.
  • كنتُ أقرأ الآية فيفتح لي فيها سبعون باباً من العلم، فلما أكلتُ مال هؤلاء الأمراء، صرتُ أقرأ الآية فلم يُفتَح لي فيها بابٌ واحدٌ.
  • لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقا إلى الجنة وخوفا من النار.



قال مصعب بن المقدام: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم آخذا بيد سفيان الثوري وهو يجزيه خيرا.
قال إبراهيم بن أعين: رأيت سفيان فقلت: ما صنعت؟ قال: أنا مع السفرة الكرام البررة.
قال شعبة بن الحجاج وأبو عاصم وابن معين: سفيان أمير المؤمنين في الحديث، ساد الناس بالورع والعلم.
قال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم.
قال أبو حنيفةلو حضر علقمة والأسود [من كبار التابعين] لاحتاجا إلى سفيان.
قال سفيان بن عيينةما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري.
قال الفضيل بن عياض: كان سفيان الثوري ـ والله ـ أعلم من أبي حنيفة.
قال بشر الحافي: كان الثوري عندنا إمام الناس، وسفيان في زمانه كـأبي بكر وعمر في زمانهما.
قال ابن المبارك: ما نعت لي أحد، فرأيته إلا وجدته دون نعته إلا سفيان الثوري.

قال ابن المبارك: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من سفيان.
قال يوسف بن أسباط: كان سفيان إذا أخذ في ذكر الآخرة يبول الدم.
قال الأوزاعي: لو قيل لي اختر لهذه الأمة رجلاً يقوم فيها بكتاب الله وسنة نبيه لاخترت لهم سفيان الثوري.
قال الشافعي: ما رأيت بالكوفة رجلاً أتبع للسنة من سفيان الثوري.
قال أحمد بن حنبل: أتدري من الإمام؟ الإمام سفيان الثوري، لا يتقدمه أحد في قلبي.
قال الذهبيكان سفيان رأسًا في الزهد والتأله والخوف، رأسًا في الحفظ، رأسًا في معرفة الآثار، رأسًا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائمة من أئمة الدين.
وقال الذهبي: سفيان الثوري شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، المجتهد، سيد العلماء العاملين في زمانه.
قال قطيبة بن سعيد: لولا الله ثم سفيان لمات الورع.
 قال عطاء الخفاف: ما لقيت سفيان الثورى إلا باكيا فقلت: ما شأنك؟ قال: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيا.
 قال ابن وهب: رأيت الثوري في المسجد الحرام بعد المغرب صلى ثم سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودى لصلاة العشاء.
 قال على بن فضيل: رأيت سفيان الثوري ساجدا في البيت الحرام فطفت سبعة أشواط قبل أن يرفع رأسه.
قال يحيى القطان: سفيان الثوري فوق مالك في كل شيء.
 قال يحيى القطان: ما رأيت رجلا أفضل من سفيان لولا الحديث كان يصلى ما بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء فإذا سمع مذاكرة الحديث ترك الصلاة وجاء.
نافذة على التاريخ: الإمام الثوري نافذة على التاريخ: الإمام الثوري Reviewed by Alez on July 11, 2014 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.