نافذة على التاريخ: الإمام وكيع




راهب العراق وزاهد المصرين

الإمام وكيع بن الجراح الرؤاسي


هو الإمام المحدث بحر العلم راهب العراق وزاهد المصرين (البصرة والكوفة) أبو سفيان وكيع بن الجراح بن مليح بن فرس الرؤاسي الكوفي، ولد سنة 129 هـ بأبة وهي قرية في أصبهان.

نشأ الإمام وكيع في أسرة عريقة في العلم والدين، حيث كان والده الجراح بن مليح من المحدثين إضافة إلى منصبه في القضاء في الكوفة التي كانت في ذلك الوقت حاضرة العلم والعلماء، وحرصا منه وجه ابنه لتحصيل العلم من محدثي وقراء وفقهاء الكوفة والاستفادة من العلوم الأخرى المنتشرة في العالم الإسلامي كبغداد والانبار وعبدان وواسط والموصل والمصيصة ودمشق وطرطوس ومصر وبيت المقدس ومكة والمدينة.

نهل الإمام وكيع من العلوم نهلا عظيما فتتلمذ على أيدي عماء كثر من علماء الأمة كـأسامة بن زيد الليثي وإسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق وإسماعيل بن أبي خالد وأيمن بن نابل المكي وجرير بن حازم و حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة وسليمان الأعمش وشعبة بن الحجاج وعبيدالله بن عمر العمري وعبد الله بن عون وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي وعبد العزيز بن محمد أبي رواد وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وعبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز وعبدالملك بن جريج ومالك بن أنس بن مالك ومالك بن مغول ومبارك بن فضالة وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي وهشام بن عروة بن الزبير ويونس بن أبي إسحاق وأخوه مليح بن الجراح ووالده الجراح بن مليح ومعلمه وشيخه المقرب الإمام سفيان الثوري.

كان الإمام الثوري يدعوه وهو غلام، فيقول له: يا رؤاسي تعال، أي شيء سمعت؟، فيقول وكيع: حدثني فلان بكذا، والإمام الثوري يبتسم ويتعجب من حفظه ويقول: لا يموت هذا الرؤاسي حتى يكون له شأن. حتى الإمام الثوري بعظم مكانته روى عن تلميذه الإمام وكيع، وصدقت فراسة الإمام الثوري ذلك أنه لما توفي عام 166هـ جلس الإمام وكيع مكانه في مجلس التحديث. وكان من حب التلميذ لمعلمه أنه أسمى إبنه الأكبر سفيان تيمنا بشيخه الإمام سفيان الثوري وكان يسمى براوية سفيان من كثر روايته للحديث عن الإمام سفيان الثوري.

بدأ الإمام وكيع بتعليم الناس علوم الحديث مبكرا وهو بداية العقد الثالث من عمره واشتهر أمره فأخذ عنه الكثير من أهل العلم وطلابه وتتلمذوا على يديه كـالإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرئ وخليفة بن خياط وأبو خيثمة زهير وعبد الله بن أحمد بن بشير وعبد الله بن الزبير الحميدي وعبد الله بن المبارك وأبو بكر عبد الله وعثمان ابني محمد بن أبي شيبة وعبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الرحمن بن مهدي وعلي بن المديني وقتيبة بن سعيد ومسدد بن مسرهد ونصر بن علي الجهضمي وهشام بن عمار الدمشقي وهناد بن السري ويحيى بن آدم ويحيى بن معين ويزيد بن هارون وابناؤه سفيان بن وكيع وعبيد بن وكيع ومليح بن وكيع.

كان الإمام وكيع آية في الحفظ والإتقان فكان لا يسمع شيئا إلا حفظه ولا ينساه، وكان يستعين على ذلك بترك المعاصي كما اخبر تلاميذه، فقد كان الإمام وكيع عابدا زاهدا صواما قواما منشغلا بالذكر يختم القرآن أكثر عدة مرات في الأسبوع. يقول سفيان بن وكيع: "كان أبي يجلس لأصحاب الحديث من بكرة إلى ارتفاع النهار، ثم ينصرف فيقيل، ثم يصلى الظهر، ويقصد الطريق إلى المشرعة التي يصعد منها أصحاب الروايا فيريحرن نواضحهم فيعلمهم من القرآن ما يؤدون به الفرائض إلى حدود العصر، ثم يرجع إلى مسجده فيصلي العصر، ثم يجلس يدرس القرآن ويذكر الله إلى آخر النهار، ثم يدخل منزله. فيقدم إليه إفطار، وكان يفطر على نحو عشرة أرطال من الطعام، ثم تقدم إليه قرابة فيها نحو من عشرة أرطال من الشراب فيشرب منها ما طاب له على طعامه، يجعلها بين يديه، ثم يقوم فيصلي ورده من الليل كلما صلى شيئاً شرب منها حتى ينفذها ثم ينام".

عُرض على الإمام وكيع القضاء لكنه سلك نهج شيخه الإمام الثوري فامتنع عن ذلك. وكان الإمام أحمد بن حنبيل يعظم شيخهالإمام وكيع، قال محمد بن عامر: سألت أحمد: وكيع أحب إليك أم يحيى بن سعيد، فقال أحمد: وكيع، قال المصيصي: كيف فضلته على يحيى ويحيى مكانه من العلم والحفظ والإتقان ما قد علمت؟ قال أحمد: وكيع كان صديقا لحفص بن غياث، فلما ولي القضاء هجره، وإن يحيى كان صديقا لمعاذ بن معاذ فلما ولي القضاء لم يهجره يحيى.

قالوا عن الإمام وكيع:
  • "ما رأيت أحدًا أوعى للعلم ولا أحفظ من وكيع، وما رأيت مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأبواب مع خشوع وورع"، "كان وكيع حافظاً حافظاً، ما رأيت مثله"، "وكيع أكبر في القلب"      (الإمام أحمد بن حنبل)
  • "ما كان بالكوفة في زمان وكيع أفقه ولا أعلم بالحديث من وكيع، وكان جهبذًا لا ينظر في كتاب قط، بل يملي من حفظه"     (ابن عمار)
  • "رأيت الثوري وابن عيينة ومعمرًا ومالكًا، ورأيت ورأيت، فما رأت عيناي قط مثل وكيع"     (عبد الرزاق بن همام)
  • "ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة ويحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم"     (يحيى بن معين)
  • "جالست وكيعًا سبع سنين، فما رأيت بزق ولا مس حصاة ولا جلس مجلسًا فتحرك، وما رأيته إلا مستقبل القبلة، وما رأيته يحلف بالله"     (سلم بن جنادة)
  • "ما رأيت فيمن رأيت أخشع من وكيع، وما وصف لي أحد قط إلا رأيته دون الصفة إلا وكيعًا، رأيته فوق ما وصف لي"     (مروان بن محمد)
  • "حفظي وحفظ ابن المبارك تكلف، وحفظ وكيع أصلي، قام وكيع فاستند، وحدَّث بسبعمائة حديث حفظًا"     (إسحاق بن راهويه)
  • "كان ثقة مأموناً عالماً رفيعاً كثير الحديث حجة"     (محمد بن سعد)
  • "مات سفيان الثوري فجلس وكيع بن الجراح في موضعه"     (يحيى بن يمان)
  • "والله ما رأيت أحداً يحدث لله غير وكيع، وما رأيت رجلاً أحفظ من وكيع، ووكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه"     (يحيى بن معين)
  • "وكيع كوفي ثقة عابد صالح أديب من حُفاظ الحديث وكان مفتياً"     ( أحمد العجلي)
  • "رأيت وكيعاً إذا قام في الصلاة ليس يتحرك منه شيء، لا يزول، ولا يميل على رجل دون الأخرى"      (أحمد بن سنان)

مرض 
الإمام وكيع مرض الموت وهو في مكان يدعى فيد في طريق العودة من الحج إلى الكوفة، فدخل عليه الناس يعودونه فوجدوه يحتضر، فقال الإمام وكيع: "إن سفيان أتاني فبشرني بجواره فأنا مبادر إليه". توفي الإمام وكيع في عاشوراء من عام 197 هـ عن عمر ناهز 68 عاما. رحم الله الإمام أبو سفيان وكيع بن الجراح راهب العراق وزاهد المصرين.


نافذة على التاريخ: الإمام وكيع نافذة على التاريخ: الإمام وكيع Reviewed by Alez on July 20, 2014 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.