تراث | الأفعى و فراسة أبناء نزار


الأفعى و فراسة أبناء نزار


لما حضرت نزار(الجد الثامن عشر للنبي صلى الله عليه وسلم) بن معد بن عدنان الوفاة جمع بنيه مضر وإياد وربيعة وأنمار، وقال لهم: يا بني، هذه القبة الحمراء وكانت من أدم لمضر، وهذا الفرس الأدهم والخباء الأسود لربيعة، وهذه الخادمة وكانت شمطاء لإياد، وهذه الندوة والمجلس لأنمار يجلس فيه، فإن أشكل عليكم كيف تقتسمون فأتوا الأفعى الجرهمي، ومنزله بنجران. فلما مات تشاجروا في ميراثه، فتوجهوا إلى الأفعى الجرهمي.

فبينما هم في مسيرهم إليه، إذ رأى مضر أثر كلأ قد رعي، فقال: إن البعير الذي رعى هذا لأعور قال ربيعة: إنه لأزور، قال إياد: إنه لأبتر! قال أنمار: إنه لشرود!. ثم ساروا قليلاً فإذا هم برجل ينشد جمله، فسألهم عن البعير، فقال مضر: أهو أعور؟ قال: نعم، قال ربيعة: أهو أزور؟، قال: نعم، قال إياد: أهو أبتر؟، قال: نعم. قال أنمار: أهو شرود؟، قال: نعم! وهذه والله صفة بعيري فدلوني عليه. قالوا: والله ما رأيناه، قال: هذا والله الكذب! وتعلق بهم، وقال: كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته!، وعرف وجهتهم وتوجه معهم ليحكم الأفعى بقضيته معهم، فساروا حتى قدموا نجران.

فلما نزلوا نادى صاحب البعير: هؤلاء أخذوا جملي، ووصفوا لي صفته، ثم قالوا: لم نره. فاختصموا إلى الأفعى الجرهمي وهو ملك جرهم وحكم العرب، فقال الأفعى: كيف وصفتموه ولم تروه، قال مضر: رأيته رعى جانباً وترك جانباً، فعلمت أنه أعور. وقال ربيعة: رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدته، فعلمت أنه أزور، لأنه أفسده بشدة وطئه لازورار. وقال إيادك عرفت أنه أبتر باجتماع بعره، ولو كان ذيالا لمصع به. وقال أنمار: عرفت أنه شرود، لأنه كان يرعى في المكان الملتف نبته، ثم يجوزه إلى مكان أرق منه وأخبث نبتاً، فعلمت أنه شرود. فقال الأفعى للرجل: ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه!.

ثم سألهم: من أنتم؟ فأخبروه، فرحب بهم ثم أخبروه بما جاء بهم فقال: أتحتاجون إليّ وأنتم كما أرى!، ثم أنزلهم فذبح لهم شاة، وأتاهم بخمر، وجلس لهم الأفعى، حيث لا يرى وهو يسمع كلامهم. فقال ربيعة: لم أر كاليوم لحماً أطيب منه، لولا أن شاته غذيت بلبن كلبه، فقال مضر: لم أر كاليوم خمرا أطيب منه لولا أن شجرتها نبتت على قبر، فقال إياد: لم أر كاليوم رجلاً أسرى منه لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعى له، فقال أنمار: لم أر كاليوم كلاماً أنفع في حاجتنا من كلامنا، وكان كلامهم بأذنه، فقال الأفعى: ما هؤلاء إلا شياطين!.

ثم دعا القهرمان فقال: ما هذه الخمر؟ وما أمرها؟ قال: من شجرة غرستها على قبر أبيك لم يكن عندنا شراب أطيب من شرابها، وقال للراعي: ما أمر هذه الشاة؟ قال: هي شاة صغيرة أرضعتها بلبن كلبة، وذلك أن أمها كانت قد ماتت ولم يكن في الغنم شاة ولدت غيرها. ثم أتى أمه فسألها عن أبيه فأخبرته أنها كانت تحت ملك كثير المال، وكان لا يولد له، قالت: فخفت أن يموت ولا ولد له فيذهب الملك!.

فخرج الأفعى عليهم، فقص القوم عليه قصتهم وأخبروه بما أوصى به أبوهم، فقال: ما أشبه القبة الحمراء من مال فهو لمضر، فذهب بالدنانير والإبل الحمر، فسمى مضر الحمراء لذلك. وقال: أما صاحب الفرس الأدهم والخباء الأسود فله كل شيء أسود، فصارت لربيعة الخيل الدهم، فقيل: ربيعة الفرس. وما أشبه الخادم الشمطاء فهو لإياد، فصارت له الماشية البلق من الحبلق والنقد، فسمى إياد الشمطاء وقضى لأنمار بالدراهم وبما فضل، فسمي أنمار الفضل، وصدروا من عنده على ذلك!.
تراث | الأفعى و فراسة أبناء نزار تراث | الأفعى و فراسة أبناء نزار Reviewed by Alez on January 24, 2014 Rating: 5

No comments:

Powered by Blogger.