مروان..القارئ الفقيه الشديد
القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبدشمس بن عبدمناف
ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (قريش).
يكنى كذلك بأبي الحكم المدني وأبو القاسم وأبو عبدالملك، من بطن بني أمية و من ساداتها. ولد عام 2 هـ في مكة المكرمة، وهو أصغر من عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما بشهرين، يقال أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في فتح مكة 8هـ، وهو ابن 6 سنوات، البعض يجعله من صغار الصحابة والبعض يجعله من كبار التابعين. وهو ابن عم الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
كان فقيهًا في الدين، قارئ للقرآن، من رواة الحديث الثقات، روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد رضي الله عنهم، وروى عنه الصحابي سعد بن سهل وكبار التابعين منهم سعيد بن المسيب وعلي زين العابدين بن الحسين وعروة بن الزبير وأبوبكر بن عبدالرحمن وعبيدالله بن عبدالله ومجاهد بن جبر وابنه عبدالملك بن مروان، وكذلك روى له البخاري وأصحاب السنن الأربعة الأئمة أبي داوود والنسائي والترمذي وابن ماجة.
سكن المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وعاش معظم حياته بها، عمل كاتبا لسيدنا عثمان رضي الله عنه الذي كان يجله ويكرمه ويعظمه، قاتل ببسالة هو والحسن والحسين رضي الله عنهم جنبا إلى جنب دفاعا عن سيدنا عثمان رضي الله عنه يوم الدار وقتل عددا من الخوارج، شهد موقعة الجمل وصفين، ولاه سيدنا معاوية رضي الله عنه على المدينة وموسم الحج وبقي على هذا المنصب حتى أُخرج منها على يد أنصار عبدالله بن الزبير بعد رفضهم مبايعة يزيد بن معاوية، ليرحل بعدها إلى دمشق.
بويع له بالخلافة من قبل بني أمية بعد تخلي معاوية بن يزيد بن معاوية عن الخلافة بعد حكم استمر 40 يومًا، كان نفوذ الأمويين قد ضعف حيث بايعت أغلب الاقاليم الخليفة عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما حتى الشام، معقل الأمويين وكانت قد انقسمت بين مبايعين لمروان بن الحكم ولعبدالله بن الزبير رضي الله عنهما، وعلى رأس الذين بايعوا ابن الزبير الصحابي الضحاك بن قيس رضي الله عنه، الذي كان وزيرا لمعاوية رضي الله عنه، فسيطر الضحاك على دمشق، لكنه لم يلبث حتى هاجمه مروان فتواجها بمرج راهط وهُزم الضحاك رضي الله عنه وقتل في تلك المواجهة.
بعد السيطرة على الشام خرج مروان بجيشة إلى مصر التي كانت قد بايعت ابن الزبير، فدخلها وولى عليها إبنه عبدالعزيز بن مروان
وبسقوط مصر التي كانت تمد ابن الزبير بالغلال والطعام في مكة أصبح وضعة ضعيفاً، فبعث مروان بجيشين إحداهم إلى الحجاز لمحاربة ابن الزبير، والثاني لمحاربة مصعب بن الزبير والي العراق. هُزم الجيش الأول بينما لم يحقق الجيش الثاني أهدافه ولكنه نجح في اخضاع الشام ومصر للأمويين في ظل فشل السيطرة على الحجاز و العراق.
توفي مروان بن الحكم رحمه الله في 3 رمضان 65 هـ عن عمر بلغ 63 عاما، وهو لم يكمل عامه الأول من الحكم. بالرغم من ذلك فقد أسس دولة قوية للأمويين في الشام، وتعد خلافته بداية العهد الثاني من الحكم الأموي، وتميز عهده على قصره بالعديد من الإصلاحات والإنجازات العسكرية والسياسية والاقتصادية. فمن الناحية العسكرية استطاع أن ينتزع مصر من قبضة ابن الزبير، كما استطاع أن يحقق انتصارًا عسكريًا وسياسيًا آخر بانتصاره على الضحاك في موقعة مرج راهط. كذلك استطاع مروان أن ينقل الخلافة من البيت السفياني إلى البيت المرواني في عملية سياسية ربما تعد أول انقلاب سلمي في التاريخ الإسلامي. كما عُني مروان بالإصلاح الاقتصادي، وإليه يرجع الفضل في ضبط المكاييل والأوزان، وهو ما ضبط عملية البيع و الشراء حتى لا يقع فيها الغبن أو الغش.
قال الشافعي: كان علي رضي الله عنه يوم الجمل حين انهزم الناس يكثر السؤال عن مروان فقيل له في ذلك. فقال: إنه يعطفني عليه رحم ماسة، وهو سيد من شباب قريش.
وقال الشافعي: عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن الحسن والحسين كانا يصليان خلف مروان ولا يعيدانها، ويعتدان بها.
عن جعفر بن محمد: أن مروان كان أسلف علي بن الحسين حتى يرجع إلى المدينة بعد مقتل أبيه الحسين ستة آلاف دينار، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن لا يسترجع من علي بن الحسين شيئا، فبعث إليه عبد الملك بذلك فامتنع من قبولها، فألح عليه فقبلها.
قال قبيصة بن جابر لمعاوية رضي الله عنه: من تركت لهذا الأمر من بعدك؟، فقال معاوية: أما القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، الشديد في حدود الله، مروان بن الحكم.
قال الإمام أحمد: يقال: كان عند مروان قضاء، وكان يتتبع قضايا عمر بن الخطاب.
يقول شيخ الإسلام إبن تيمية في قصة الحكم بن أبي العاص والد مروان: أن كثيراً من أهل العلم طعن في صحة نفي النبي صلى الله عليه وسلم للحَكَم، وقالوا: ذهب إلى الطائف باختياره، وليس لقصة نفيه سندٌ يعرف. وأنه إن كان قد طرد النبي صلى الله عليه وسلم الحكم فلا يكون ذلك من المدينة، بل يكون من مكة؛ لأن الطلقاء لم تسكن بالمدينة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو طرده من المدينة لكان يرسله إلى مكة، وليس أحد من الطلقاء الذين منهم الحكم هاجر إلى المدينة. وأن مروان كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم طفلاً صغيراً في أول سن التمييز، إما سبع سنين أو أكثر بقليل، أو أقل بقليل، فلم يكن له ذنب يطرد بسببه.
وقال الذهبي: وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه، لا يجوز الاحتجاج بها.
وقال ابن السكن: يقال إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه، ولم يثبت ذلك.
قال القاضي أبوبكر العربي: مروان رجل عَدْلٌ من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.
وقال المؤرخ ابن خلدون في مقدمته الشهيرة: كان مروان ابن الحكم وابنه -وإن كانوا ملوكا- لم يكن مذهبهم في الملك مذهب أهل البطالة والبغي. إنما كانوا متحرين لمقاصد الحق جهدهم، إلا في ضرورة تحملهم على بعضها، مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد. يشهد لذلك ما كانوا عليه من الاتباع والاقتداء، وما علم السلف من أحوالهم ومقاصدهم. فقد احتج مالك في الموطأ بعمل عبدالملك. وأما مروان فكان من الطبقة الأولى من التابعين، وعدالتهم معروفة.
يقول الدكتور محمد الصلابي في كتابه عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: لم يكن مروان الوزير الذي تجمعت تحت يده سلطات الدولة، إنما كان كاتبا للخليفة، وهي وظيفة تستمد أهميتها من قرب صاحبها من إذن الخليفة وخاتمه، أما ادعاء توريطه عثمان وإثارة الناس عليه لتنقل الخلافة بعد ذلك إلى بني أمية، فافتراض لا دليل عليه .. ثم إن عثمان لم يكن ضعيف الشخصية حتى يتمكن منه كاتبه إلى الحد الذي يتصوره الرواة. ولا ذنب لمروان بن الحكم إن كان في حياة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يبلغ الحلم باتفاق أهل العلم، بل غايته أن يكون له عشر سنين أو قريب منها، وكان مسلما يقرأ القرآن، ويتفقه في الدين، ولم يكن قبل الفتنة معروفا بشيء يعاب فيه، فلا ذنب لعثمان في استكتابه، وأما الفتنة فأصابت من هو أفضل من مروان. بل إن خبر طرد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبيه ضعيف سندا ومتنا، وتعقبه شيخ الإسلام ابن تيمية فأوضح تهافته وضعفه. وعُرف عن مروان بن الحكم العلم، والفقه، والعدل، فقد كان سيدا من سادات شباب قريش لما علا نجمه أيام عثمان بن عفان، وقد شهد له الإمام مالك بالفقه، واحتج بقضائه وفتاواه في مواطن عديدة من كتاب الموطأ, كما وردت في غيره من كتب السنة المتداولة في أيدي الأئمة المسلمين يعملون بها.
و أما فقهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار خلافته، والتلفت إلى فتواه، والانقياد إلى روايته، و أما السفهاء من المؤرخين و الأدباء الذين انقادوا إلى ما نسب إلى بني أمية من تشويه فيقولون على أقدارهم.
في الحقيقة كان الخليفة مروان بن الحكم من حكماء العرب ودهاتهم رحمه الله.
نافذة على التاريخ" مروان..القارئ الفقيه الشديد
Reviewed by Alez
on
June 30, 2014
Rating:
No comments: